نانى..
عدد الرسائل : 3315
تاريخ الميلاد : 18/11/1986
العمر : 37
تاريخ التسجيل : 23/07/2009
| موضوع: الوصيه(قصه قصيره) الجمعة أبريل 16, 2010 5:10 pm | |
| قصة قصيرة الوصيـة بقلم : قحطـان فؤاد الخطيب
كان جل ما تتوق له الحاجة المسنة (أم غائب) ، وقد دلفت في عقدها الثامن هو أن تلملم دنانيرها المبعثرة هنا وهناك قبل ولوجها العالم الآخر ، دون إعطاء مبرر ما . لذلك شرعت تقلم أظافر منزلها ، بأن باعت محتويات ما تسمى (بغرفة الضيوف) كاملة ، كما باعت ما زاد عن حاجتها في مطبخ الفناء الشرقي(1) ، إضافة إلى بيع غرفة نومها الأثرية ، وما تبقى من الكراسي المكسورة والأثاث العتيق ، فيما منحت ابنتها الصغرى فقط عقد اللؤلــؤ القديم ، والذي اشتراه لها المرحوم (أبو غائب) قبل عشرات السنين . وأصدرت (الأوامر) بتحديد زيارات أبنائها السبعة وبناتها الأربع إضافة إلى أولادهم الذين لا حصر لهم إلى أضيق الحدود ، في حين كلفت صهرها الأصغر القيام بضبط أمورها المالية وإيداع ما يتجمع لديها من نقدٍ في حسابه المصرفي ، ذمة عليه ولـقاء وصولات ، رغم أنها أمية لا تقرأ ولا تكتب ، وبعلم الكل . وبلغت حصيلة كل مبيعاتها مع فرق الأسعار آنذاك(2) (778) ديناراً لا غير . وهذا المبلغ ، بالنسبة لها ، فوق مستوى تفكيرها وتوقعها مقارنة بمؤخر صداقها (5) دنانير فقط . وما هذا وما سيتراكم فيما بعد من مبالغ ليس إلا كل ما تركه المرحوم ، زوجها ، أبو غائب . ولم يبق لها من حطام الدنيا سوى الجدران الأربعة لدارها ، ذي الثمانية والأربعين متراً مربعا مساحة . وقد اختمرت في ذهنها فكرة بيع الدار أيضاً واستحصال فترة ستة أشهر بعد البيع لأخلائه ، علها ، حسب زعمها ، تنتقل إلى جوار ربها في بحر هذه الفترة ، وبهذا لا يبقى لها أية تعلقات فوق هذه البسيطة ، ويكون الانتقال إلى جوار خالقها بصمت لا يثير غبار القسام الشرعي والحصص والإرث والخ .... ! ولم يجد أبناؤها وبناتها بداً من طاعة أمهم ، وهي في هذا الخريف من العمر الحرج . فاستنفروا كل طاقاتهم لبيع (العقار) ! وانطلق كل منهم في اتجاهه يبغي كسب ود أمه ، عسى أن يفوز ، ولو بدريهمات يحل بها مشاكله . وأخيرا بيع الدار ، من دون إشراك أحد من أفراد الأسرة باستثناء الحاجة المسنة (أم غائب) فقط والمالك الجديد ، الجار الملاصق داره بدارها . وبعد مقابلات وإجراءات أصولية قانونية انتقلت ملكية الدار إلى المالك الجديد الذي سلمها ، بحضور أفراد أسرتها ، سبعة آلاف ديناراً نقداً . بيد أن السيدة المسنة أومأت إلى صهرها الأصغر ، زوج ابنتها الصغرى ، هيفاء ، بتسلم المبلغ دون أبنائها أو بناتها . وتطلع الأبناء إليها منشدهين وقد صعقهم سلوك أمهم الهرمة وكأن عيونهم تتساءل .... لماذا وقع الاختيار على زوج هيفاء دون سواه ؟ - هاك يا حسن النقود وضعها مع بقية نقودي الموجودة لديك في حسابك بالمصرف . - نعم يا عمتي . وهنا سأل الابن الأكبر وقد بدأ يساوره الشك بأن أمه خرفه .... - وماذا ستفعلين بكل هذه النقود ، يا أماه ؟ - إذا وافتني المنية تقاسموها بينكم بالعدل وإلا .... - ولماذا لا نتقاسمها الآن وأنت بين ظهرانينا ؟ أجابته ، كمن قرصها تحصيل حاصل تجارب السنين وشرعت تصرخ : - افترض أن عمري طويل ، هل ستنفق علي الدراهم أنت وإخوانك وأنتم تئنون من الجوع ؟ - بالتأكيد ، يا أماه . فنحن سبعة أخوة وأربع أخوات . - ولكن الزمن تغير ، يا ولدي . فالعمل بالمضمون أضمن . ثم سألت البنت البكر ، بدون حياء .... - وأين سـتعيشين بعد انقضاء فترة الستة شهور ؟ ألا تشعرين بجنون تقلبات الأسعار بين ثانية وأخرى ؟ - لا عليك ، فالزمن كفيل بحل كبرى المشكلات و .... ودارت عقارب الساعة بسرعة ، كما دار دولاب الحياة بسرعة ، أيضاً ، بحيث طويت صفحة الستة أشهر وكأنها ست ساعات . وجاء المالك الجديد ومظلة القانون تحميه وهو يقول للسيدة المسنة : - أراك غير ملتزمة بإخلاء الدار لحد الآن !؟ - ولمــــــاذا ؟ - لأن الفترة القانونية للأخلاء انتهت . قالت وكأن لسان حالها يقول (( ارحم عزيز قوم ذلْ )) ... ولكن ، لا أحد يريدني . نعم إنني غريبة . - إنها ليست مشكلتي بل مشكلتك . لقد قبضت الثمن سلفاً ووقعت العقد رسمياً . قالت بانفعال مشوبٌ بدموع ساخنة : - خذ دراهمك وأعد لي داري . - يا حاجة ... القانون قانون ، والأفضل لك ترك الدار فوراً والانتقال إلى دار أحد أبنائك أو بناتك على الأقل . صرخت ثانية بوجهه وقد مزقتها اللوعة : - قلت لك ، إنهم لا يريدونني ، لا يريدونني ، لأنني غريبة في وسطهم . وبعد محاولات يائسة توصل المالك إلى أنه لا جدوى من محاورتها لكبر سنها وحالة الاكتئاب المزمن التي انتابتها . فما كان منه إلا المضي إلى أقرب دار يعود إلى ابنها البكر، والانفعال قد ارتسم على محياه . وبالصدفة لاقاه الابن الأصغر الذي استوعب كل دقائق الموضوع بخصوص إخلاء أمه دارها المباع . وقد سأله المالك الجديد فيما إذا كان بالإمكان حل الأشكال باستضافة أمهم ولو لفترة قصيرة لحين شرائها داراً بديلاً . فما كان منه ألا أن تفوه بكلمات تكون النتانة منها براء حين قال : - ولا واحدة من زوجاتنا توافق على استضافتها ، ولا حتى أي من أزواج شقيقاتنا يوافق على استضافتها أيضاً . فأين الحل ؟ - أتسألني أين الحل وهي أمكم ؟ ألم تسمع القول المأثور ( الجنة تحت أقدام الأمهات ) ؟ - نعم أفهم ذلك جيداً . ولكن دعني أتساءل : لماذا باعت الدار ؟ وماذا فعلت بنقودها ؟ ولماذا ائتمنت صهرها ولم تأتمن أبناءها ؟ وهنا خرجت أحدى زوجات الأبناء وقد رقد طفل صغير على كتفها حيث قالت وكأنها سمعت كل الحوار : - لم لا تشتروا لأمكم داراً بنقودها ؟ رد الابن وقد استهجن هذا الطرح من زوجة أخيه : - إنها لا تستطيع شراء غرفة بكل ما جمعته من أموال . لمن نشتري الدار والموت قاب قوسين أو أدنى منها ؟ لدي فكرة ايجابية تحل الإشكال . ثم أردف يقول : لماذا لا نناقش مع أمي مسألة نقلها مباشرة إلى دار رعاية المسنين ؟ فهناك تريح وتستريح ، حيث نستطيع زيارتها كلما سنحت لنا الفرصة بذلك ؟ وما هي إلا دقائق حتى كانا أمام دارها . لقد كانت ترتعش من شدة الألم والشيخوخة وخيبة الأمل بأولادها ، ثم رفعت يديها للسماء شاكية حالها البائس وطالبة بالحرف الواحد ( الانتقام ) من ناكري الجميل . لقد أكدت للمالك الجديد عدم رضاها المطلق على أولادها وبناتها العاقين ، محيلة أمر حسابهم لله . وأخيراً صرخت للمرة الثالثة بصوت هستيري دراماتيكي بوجه المالك الجديد وقد نفذ صبرها : - ماذا تنتظر ؟ ألم تسمع فلذة كبدي يقدم وصفته السحرية لحل المشكلة بإيصالي لدار رعاية المسنين ؟ أجل ماذا تنتظر ؟ خذني أيها المالك المسكين إلى هناك . فبغير هذا لا تحصل على الدار . فأنا غريبة هنا ، وضيفة ثقيلة على الآخرين ...........ستقوم الساعة ....... نعم ستقوم القيامة ....... هيا ... خذني إلى هناك . هاك ، تفضل ، هذه مفاتيح الدار . خذها ....... مبروك عليك. لم يبق لي في الدار سوى الذكريات . وداعاً يا داري العزيز . أرجوك أوصلني بأية وسيلة إلى دار رعاية المسنين . فهناك القلوب أرحم . و .... - أماه ... أماه ... - ابتعد أيها العاق . انك منبوذ وجبان . دعني أنفذ ما يدور في رأسك ورؤوس إخوتك . إلى دار رعاية المسنين أيها المالك. إلى هناك ...................... وأخيراً أسدل الستار على المشهد المأساوي بأن رضخ المالك الجديد إلى طلب إيصالها بسيارته العتيقة لدار رعاية المسنين . ولحسن الحظ استقبلت كما توقعت أو كما شاء القدر أن يرسم السيناريو كذلك ، نعم استقبلت بالأحضان والابتسامات وكأنها عروس في يوم زفافها . لقد نسيت أو تناست المشهد التراجيدي السابق لأن طبيب الدار هرع نحوها متحسساً معاناتها ومخففاً عنها ، إذ أوصى بجناح يتناسب مع عمرها . لقد أحست بأن هذا الطبيب لا يقل عطفاً عن صهرها الأصغر ، كما أحست بأن فترة تعارفهما وكأنها أشهر وليست بضع دقائق . إذ التمست منه أن يستدعي صهرها الصغير حسن بصورة رسمية كي يجلب معه كامل دراهمها حسب الوصولات الموجودة في حوزتها . ولبى الصهر النداء . بيد أنه بدأ يتملص ويناور ويتخاذل في رد الأمانة إلى أصحابها . إلا إنها كانت له بالمرصاد ، إذ اعتبرته جزءاً من الشلة العاقة . وبعد محاولات يائسة أقحمت إدارة الدار بموضوع النقود ملوحة بنقل الموضوع إلى القضاء . عندها انصاع بعد تلكؤ وتردد إلى جلب كامل المبلغ وتسليمه بيدها أمام إدارة الدار وفي غضون دقائق معدودة حيث قال : - وماذا ستفعلين بهذه الآلاف ؟ أجابته بعصبية شديدة : - وما دخلك بالأمر ؟ وحيث إنها لا تقرأ ولا تكتب ، ولأن آثار الصدمة لا زالت شاخصة فيها ، فقد التمست من الطبيب المؤتمن الذي أحست بوشائج قوية تربطهما أحدهما بالآخر ، التمست منه أن يحسب المبلغ وأن يحرر لها وصية رسمية بحضور الآخرين جاء فيها ما يلي : (((إنني الموقعة أدناه ، ..... ، أتنازل عن تحويشة عمري بما يساوي 7778 ديناراً لإدارة هذا الدار الذي سأقضي فيه آخر فصل من حياتي ، لما لمست فيه من حرارة الاستقبال الذي فاق استقبال الأبناء والبنات، ولما أحسست به من دفء الكلمات التي أرجعتني عقوداً إلى الوراء وأشعرتني بأنه لازالت الدنيا عامرة بالأخيار . كما أوصي أيضاً بإعطاء جسدي الهزيل إلى الكلية الطبية ، إذا رضيت به ، علها تكتشف سر طول حياتي رغم منغصات الحياة المفزعة ورغم تخلي أولادي وبناتي عني . كما أعلن أمام الله وأمامكم براءتي من كل أولادي وبناتي . ))) لقد اندمج كل الموظفين والعمال والعاملات معها ، لروحها المرحة ، وحديثها الشائق ، بغض النظر عن فداحة معاناتها وكبر سنها . بيد أنها كانت كثيرة الشرود والتساؤل ولعلهـا معذورة فعلاً لذلك : - ما معنى امتلاكي أحد عشر مخلوقاً ولا أحد منهم يتفهمني ؟ لماذا هذا التغير في البناء الإنساني ؟ ولم تمضِ سوى سويعات حتى فارقت الحياة ودنانيرها لم تدخل بعد قاصة الدار ودموعها لم تجف بعد . ونفذت بنود وصيتها تسلسلياً ، بأن سجل كامل المبلغ إيرادا لخزينة الدولة حسب ما جاء في الوصية ، فيما نقلت جثتها فوراً إلى الطبابة العدلية ، ومن هناك إلى ثلاجات الكلية الطبية بعد أن تمت الموافقات على القيام بذلك . ودنا الليل ، فإذا بزحف الأحد عشر (صنماً) نحو دار رعاية المسنين يحملون بين ثناياهم أنصاف الحلول لأمهم البائسة العجوز : ( لقد عثروا على غرفة للإيجار لأمهم المسنة في دار أحد الدفانين ! ) لقد تحدثوا بكل صفاقة مع الخفير عن (مشروعهم) الذي لم يفهم منه شيئاً . وقد منعهم من د**** الدار لعدم معرفته بالنزلاء الجدد بعد ، ولأن الليل ليس وقت زيارات بل وقت راحة النزلاء . لقد كانوا كالذباب في طنينهم ، وكالأقزام في تفاهتهم وضحالتهم . وما هي سوى لحظات حتى رن جرس الهاتف صدفة حيث كانت مسؤولة الدار الخافرة تتكلم مع الموظف الخفير بصدد مسألة قطع التيار الكهربائي المفاجئ ، وفيما إذا أصلح الخلل أم لا . إلا أنه أجاب بنعم . وحاول ضرب عصفورين بحجر واحد حين قال : - في القاعة الآن أحد عشر زائراً ، يرومون التحـدث مع النزيلـة (أم غائب) . لقد منعتهم من الد**** و .... قاطعه أحد الأبناء وأخذ منه السماعة شاكياً وقائلاً : - هل يجوز لموظف الاستعلامات كهذا أن يمنعنا من زيارة أمنا ؟ أين العدل وأين الأنصاف ؟ - لا ، ولكن ليس في هذا الوقت المتأخر بالذات . لقد أجابت بحسن نية وعدم إلمام بتفاصيل الموضوع . - إذن اسمحي لنا بالد**** . وهنا أخذ الخفير السماعة وعيناه تشعان غضباً . لقد أخذ التعليمات الكاملة من سيدته معتذراً لها عن الإحراج الذي أوقعها فيه . ثم استفسر منهم عن الاسم الثلاثي لها وتاريخ د****ها الدار . بعدها فتح درجاً أخرج منه سجلاً كبيراً ثم أخذ يقلب الصفحات ، إلا انه رغم تدقيقه لم يجد الاسم . ثم عاد يقلب الأوراق ثانية وثالثة ، إلا أنه لم يجد ذلك الاسم . سألهم: - هل يجوز أن اسمها مع الوفيات ؟ زمجر الكل في وجهه مرة واحدة كأنهم يريدون افتراسه قائلين له : - فأل الله ولا فألك . إنها دخلت الدار اليوم والحبر لما يجف بعد . وفعلاً فتح سجل الوفيات ، حيث وجد اسمها هناك وبجواره ملاحظة طويلة مربوطة بدبوس كبير . جاء فيها : ((( في الساعة ... من يوم ... توفيت السيدة المسنة ... وأرسلت جثتها إلى الطبابة العدلية ثم إلى الكلية الطبية بناءاً على وصيتها المثبتة أعلاه . و ... ))) وساد وجوم قاتل أثناء تصفحهم الوصية الموشحة بختم إبهامها الأيسر . لقد ذهلوا وصفعوا بقوة بمضمون الوصية المتوجة بعدم رضاها عنهم في الدنيا والآخرة . وانصرفوا مذهولين ، واحداً تلو الآخر ، والصمت والوجوم والندم يلفهم. لقد خسروا أمهم بجرة قلم ونتيجة تصرف دنيوي زائل طائش . وخسروا رضاها ونقودها ووجودها حيث جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن ! بل ... خسروا الدنيا والآخرة على حد سواء . منقول |
|
darsh..
عدد الرسائل : 696
تاريخ الميلاد : 11/08/1992
العمر : 31
الموقع : www.rabetwahed.yoo7.com
تاريخ التسجيل : 02/09/2009
| موضوع: رد: الوصيه(قصه قصيره) الجمعة أبريل 30, 2010 9:16 pm | |
| اشكرك اشكرك على هذا الموضوع الرائع بما فيه من عظه بجد الموضوع رائع |
|